دراسات
إسلامية
الوحــي
النبـــوي
شبهات وردود
(الحلقة
السادسة)
بقلم:
د. حسين عبد
الغني سمرة (*)
ثانيًا.
القرآن
والحديث
يختلفان عن
الكتاب المقدس
الذي تأثر
الحنفاء كما
يزعمون به:
إن
المتأمل في
كتاب الله
تعالى يجد
البون الشاسع،
والاختلاف
الكبير بينه
وبين الإنجيل
والتوراة،
سواءٌ من حيث
الأسلوب
والنظم، أو من
حيث ما تضمن
من معانٍ
رفيعة في
العقيدة والأخلاق
والتشريع.
يقول
الدكتور عبد
الكريم
الخطيب
مبينًا الاختلاف
الكبير بين
القرآن
والتوراة من
جهة الأسلوب:
«اقرأ فصلاً
أو فصولاً من
التوراة، ثم اقرأ
سورة أو سورًا
من القرآن،
فإنك تجد طعمًا
غير الطعم
ومذاقًا غير
المذاق، فإذا
حاولت أن تجمع
هذا بذاك أو
ذاك بهذا، وأن
تزاوج بينهما
وجدت أمرًا
غير مستقيم
لك، ولا مطاوع
لصنيعك، كمن
يؤلف بين
أنغام تخرج
على غير اتفاق
أو ترتيب. على
فرض صحة التوراة
وأنها
والقرآن
يخرجان من
مشكاة واحدة، فإن
أسلوب الأداء
مختلف أشد
الاختلاف
كاختلاف
اللغة العامة
الدارجة ولغة
الشعراء في أعلى
طبقاته أو هو
أشد».
وهذا
الأسلوب
الفريد
المتميز من
أوضح الدلائل
على أن القرآن
الكريم كتاب
الله العظيم،
أُنزل على
المصطفى صلى
الله عليه
وسلم، عن طريق
أمين الوحي
جبريل عليه
السلام ، ثم
إن القرآن
الكريم بما
تضمنه من
عقيدة واضحة
صافية قوامها
التوحيد
المطلق،
والكمال المطلق،
مغايرة
لعقيدة
التوراة
والإنجيل – لا
يمكن أن يكون
نسخة عنهما،
فالتوراة تصف
الله جل جلاله
بصفات تنافى
كماله
وجلاله،
كالعته
والبخل، وعدم
العلم
والفقر، وغير
ذلك.
وكذلك
الإنجيل
يتضمن عقيدة
التثليث:
الأب، والابن،
والروح
القدس، ثلاثة
آلهة.
فأين
هذا من عقيدة
التوحيد
الخالص؟!
ويخالف
القرآن
الإنجيل
أيضًا في قضية
صلب المسيح،
وعقيدة
الفداء، فكيف
يكون
مُستَقًى منه
أو من التوراة(58)؟!
وعدم
وجود هذه
العيوب
التوراتية
والإنجيلية
في القرآن يدل
على استقلاله
وعدم تأثره
بهما كما يدل
على أنه ذو
مصدر إلهيٍّ.
ومن
أقوى ما يدل
على أن الرسول
صلى الله عليه
وسلم لم يكن
متأثرًا
بالحنيفية
المأخوذة من
اليهودية، أو
النصرانية،
وجود الخلاف
في كثير من
العقائد
والأحكام، بل
لقد جعل
الشارع
الحكيم جنس مخالفتهم
أمرًا
مقصودًا له،
ومن متطلبات
الشرع، وهناك
كثير من
الأحكام
جُعلت العلة
فيها هي
مخالفة
اليهود أو
النصارى، من
ذلك(59):
1-
قوله صلى الله
عليه وسلم:
«إن اليهود
والنصارى لا
يصبغون،
فخالفوهم»(60).
2-
قوله صلى الله
عليه وسلم:
«خالفوا
اليهود، فإنهم
لا يصلون في
نعالهم ولا
خِفَافهم»(61)(26).
بل
إن بعض شعائر
الإسلام التي
وافقت
اليهودية أو النصرانية
في جانب منها،
والتي زعم
بعضهم تأثر
الرسول فيها
بهاتين
الديانتين –
أوضح النبي
صلى الله عليه
وسلم العلة
فيها وأقرَّ
بمخالفتهم
أيضًا فيها
وذلك مثل:
1-
صوم يوم
عاشوراء بناء
على ما رُوي
عن ابن عباس
رضي الله
عنهما قال:
قدم النبي صلى
الله عليه
وسلم المدينة،
فرأى اليهود
تصوم يوم
عاشوراء،
فقال: «ما
هذا»؟ قالوا:
هذا يوم صالح،
هذا يوم نجَّى
الله بني
إسرائيل من
عدوِّهم،
فصامه موسى، قال
صلى الله عليه
وسلم: «فأنا
أحق بموسى
منكم»، فصامه
وأمر بصيامه(63). فعلته
الفرح بنجاة
موسى عليه
السلام
والصيام
شكرًا على هذه
النعمة، وليس
لأجل أن
يوافقهم في
تعظيم هذا
اليوم، لذلك فإن
النبي صلى
الله عليه
وسلم بيَّن
نوع مخالفة
اليهود في
صيام
عاشوراء،
عندما شرع
صيام يوم
قبله، أو يوم
بعده، فعن ابن
عباس رضي الله
عنهما قال:
حين صام رسول
الله صلى الله
عليه وسلم يوم
عاشوراء وأمر
بصيامه،
قالوا: يا رسول
الله، إنه يوم
تُعظِّمه
اليهود
والنصارى،
فقال رسول ا
لله صلى الله
عليه وسلم:
«فإذا كان
العام
المقبِل – إن
شاء الله –
صمنا اليوم
التاسع»، قال:
فلم يأت العام
المقبل، حتى تُوفِّي
رسول الله صلى
الله عليه
وسلم (64).
2-
زعمهم أن
المؤمنين
كانوا لا
يصلون في مكة
إلا مرتين في
اليوم، ثم
أدخلت صلاة
ثالثة عندما
ذهبوا إلى
المدينة على
غرار
اليهودية، فهذا
زعم في وهن
خيط
العنكبوت؛ إذ
الصلوات الخمس
فرضت بمكة
ليلة
الإسراء، حين
عُرج بالنبي
صلى الله عليه
وسلم إلى
السماء، ولا
خلاف بين أهل
العلم وأهل
السير في ذلك.
وهذا
الذي دلَّت
عليه
الأحاديث
الصحيحة التي
وردت في صفة
الإسراء
والمعراج من
أحاديث جماعة
من الصحابة
رضي الله
عنهم، وفي
أحدها قوله
صلى الله عليه
وسلم: «فلم
أزل أرجع بين
ربي جل جلاله
وبين موسى عليه
السلام حتى
قال: يا محمد،
إنهن خمس
صلوات كل يوم
وليلة، لكل
صلاة عشر،
فذلك خمسون صلاة»(65).
3-
زعمهم أنه جعل
الجمعة يوم
صلاة عامة،
على غرار
السبت عند
اليهود، فهو
أيضًا قول
مخالف للصواب؛
لأن الله
تعالى شرع
لعباده
المؤمنين الاجتماع
لعبادته يوم
الجمعة، فقال
جل جلاله: ﴿يَا
أَيُّهَا
الَّذِينَ
آمَنُوا
إِذَا نُودِيَ
لِلصَّلاةِ
مِنْ يَوْمِ
الْجُمُعَةِ
فَاسْعَوْا
إِلَى ذِكْرِ
اللَّهِ
وَذَرُوا
الْبَيْعَ
ذَلِكُمْ
خَيْرٌ لَكُمْ
إِنْ
كُنْتُمْ
تَعْلَمُونَ¡﴾
(الجمعة).
وقد
ثبت أن الله
تعالى أمر
الأمم
السابقة بتعظيمه،
فضلُّوا عنه،
واختار
اليهود
السبت، والنصارى
الأحد، وفضل
الله هذه
الأمة بيوم الجمعة
لفضيلته، فعن
أبي هريرة
وحذيفة رضي
الله عنهما قالا:
قال رسول الله
صلى الله عليه
وسلم: «أضلَّ
الله عن
الجمعة من كان
قبلنا، فكان
لليهود يوم
السبت، وكان
للنصارى يوم
الأحد، فجاء
الله بنا
فهدانا الله
ليوم الجمعة،
فجعل الجمعة،
والسبت،
والأحد،
وكذلك هم
تَبَعٌ لنا يوم
القيامة، نحن
الآخرون من
أهل الدنيا،
والأولون يوم
القيامة،
المقضي لهم
قبل الخلائق»(66). ففي الحديث
ذم لأهل
الكتاب، على
تفريطهم في يوم
الجمعة، ثم
شرع صلى الله
عليه وسلم
صيام يوم
السبت، ويوم
الأحد مخالفة
لهما، كما جاء
في حديث أم
سلمة رضي الله
عنها قالت:
«كان رسول
الله صلى الله
عليه وسلم
يصوم يوم السبت
ويوم الأحد
أكثر مما يصوم
من الأيام،
ويقول: إنهما
عيدا
المشركين،
فأنا أحب أن
أخالفهم»(67).
قال
ابن حجر: «يوم
السبت عيد عند
اليهود، والأحد
عيد عند
النصارى،
وأيام العيد
لا تُصام، فخالفهم
بصيامهما»(68).
4-
أما كونه صلى
الله عليه
وسلم كان يصلي
ويستقبل بيت المقدس،
فقد كان يصلي
إلى هذه
القبلة قبل
الهجرة،
ولكنه جعل
الكعبة بينه
وبينها، أي
أنه كان
يستقبل
القبلتين،
فلما هاجر إلى
المدينة استحال
عليه أن يجمع
بينهما،
فاستقبل بيت
المقدس
لفترة، ثم نزل
الوحي الإلهي
بالتحوُّل إلى
الكعبة، وقد
عرض اليهود
عليه أن يعود
إلى قبلة بيت
المقدس
ويتبعوه، وهو
ما بيَّن
التواءهم
وخبثهم،
فالصادق في
التمسك بدينه
لا يعرض مثل
هذا العرض،
لكنه صلى الله
عليه وسلم قد رفض
ذلك(69).
وبهذا
يبتين لنا أن
القرآن
الكريم
والسنة المطهرة
جاءا مخالفين
لما جاءت به
الكتب
المقدسة –
التوراة
والإنجيل – من
العادات
والمعتقدات
اليهودية
والنصرانية،
وهذا مخالف
للأصل فكيف
يكون صلى الله
عليه وسلم
آخذًا من
الفرع وهم
«الحنفاء»؟!
«والفروق
بين القرآن
وبين
والتوراة
والإنجيل
كثيرة جدًا،
وإن وجود
تشابه بينهما
في بعض القضايا
كقصص الأنبياء،
فإنما يدل على
وحدة المصدر
وأن كلاًّ
منهما أصله من
وحي الله إلى
أنبيائه، ولا يفيد
أبدًا أن
اللاحق منهما
قد استمد من
السابق»(70).
ويؤكد
ذلك ما جاء في
القرآن وسنة
النبي صلى الله
عليه وسلم ،
وكذلك في
التوراة
والإنجيل، فقد
ذكر فيها
اليوم الآخر
وصفة الجنة
والنار، وظهر
ذلك في شعر
أمية بن أبي
الصلت الذي
تأثر
بالتوراة
والإنجيل،
حيث كان متبعًا
لملة الخليل
إبراهيم عليه
السلام.
وفي
ذلك يقول
الدكتور محمد
الدسوقي:
«والحقيقة أن
اليوم الآخر
ليس فكرة
يهودية،
وليست الصلاة
طقوسًا
فارسية، وليس
تقبيل الحجر
الأسود عبادة
وثنية،
وقانون
العقوبات في
الإسلام ليس تقدمًا
ضئيلاً
بالنسبة إلى
القوانين
الوثنية، فهو
مستوى أرفع من
القوانين
الحديثة التي
وضعت في عصر
الحضارة
والتقدم
الفكري»(71).
ثالثا: نَظْم
القرآن
المعجز
وأُميَّة
النبي صلى
الله عليه
وسلم ينفيان
أن يكون
القرآن من تأليفه
صلى الله عليه
وسلم ، أو أن
يكون له تدخل في
صياغته، أو أن
يكون مقتبسًا
إياه عن غيره:
من
الثابت
تاريخيًّا أن
محمدًا صلى
الله عليه
وسلم كان
أميًّا لا
يقرأ ولا
يكتب،
والقرآن كتاب
على أعلى
مستوى من
البيان
الأدبي، وهو مختلف
تمامًا عما
كان يعرفه
العرب من شعر
ونثر،
فالقرآن
معجزة لغوية
وأدبية جديدة
تمامًا، وليس
لها سوابق
مشابهة،
وكونه يأتي على
يد إنسان
أُميٍّ دليل
على أنه ليس
من عمله،
وإنما هو وحي
منزَّل.
«وكل
كتب السيرة
تحكي قصة
الرسول محمد
صلى الله عليه
وسلم ، والكل
يعلم أن
وظيفته قبل
البعثة كانت
رعي الغنم
والتجارة،
وأنه لم يتلق
أي قسط من
التعليم في
أية مرحلة من
حياته، ولم
يكن يعرف
القراءة والكتابة،
ثم بدأ نزول
الوحي عليه
وهو في سن الأربعين،
وطوال هذه
الفترة لم يكن
يعرف القراءة
والكتابة،
وطوال وجوده
في مكة أمام
أهالي مكة حتى
بلغ سن
الثالثة
والخمسين لم
يتعلم
القراءة
والكتابة،
والقرآن
الكريم يؤكد
ذلك، وفي مكة
نزل عليه من
الوحي 86 سورة،
ثم هاجر للمدينة،
وفي المدينة
نزل عليه من
الوحي 28 سورة،
وبذلك أصبح
مجمل القرآن 114
سورة، وهو لا
يعرف القراءة
والكتابة،
فكيف لإنسان
يجهل القراءة
والكتابة، أن
يقوم بتأليف 114
سورة تشكل 6236
آية بها إعجاز
بلاغي وأدبي
وبها فصاحة وبيان
حكيم. هل
يستطيع إنسان
لا يعرف
القراءة والكتابة
تأليف مثل هذا
القرآن وسبكه
كما يزعم
هؤلاء»(72)؟! وقد عجز عن
الإتيان
بأقصر سورة
منه الفصحاء
والبلغاء من
الناس؟!
إن
القرآن نفسه
ينفي أن يكون
من صنع البشر
وتأليفهم،
ويؤكِّد أنه
كلام الله
المنزل على رسوله
صلى الله عليه
وسلم لهداية
الناس وإصلاح
حالهم، وذلك
من عدة نواح:
1- من
ناحية أسلوبه
البليغ
المعجز
المغاير لأسلوب
رسول الله صلى
الله عليه
وسلم ، فيما
صدر عنه من
الأقوال غير
القرآن،
فالحديث
النبوي يختلف
اختلافًا
كبيرًا عن
القرآن
الكريم من جهة
الأسلوب، وكل
قارئ يفهم
العربية يدرك
ما بين
الأسلوبين من
فرق كبير، فلو
كان القرآن
صادرًا من
محمد نتيجة
تأثره
بالحنفاء
المتأثرين
باليهود والنصارى
لكان كلامهما
– القرآن
والسنة –
وسبكهما
واحدًا، وكان
أسلوب القرآن
هو أسلوب الأحاديث
نفسه؛ لأنه
لايمكن أن
يكون لكاتب
واحد مهما بلغ
من الذكاء
والعبقرية
أسلوبان
يختلفان هذا
الاختلاف
الكبير،
ولظهر هنا
التأثر في كليهما.
2- من
ناحية ما
تضمنه من
إشارات علمية
دقيقة ونبوءات
غيبية،
وأخبار
القرون
الماضية،
والتشريع
العظيم، وغير
ذلك من العلوم
والمعارف
التي يزخر بها
هذا السفر
العظيم، كل
ذلك ينفي أن
يكون القرآن
بشريًّا،
وإلا فمن أين
لمحمد الرجل
الأمي هذه
الحقائق
العلمية، التي
لم يُتَوصل
إلى معرفتها
إلا في العصر
الحديث؟!!
3- من
ناحية أن
القرآن
الكريم لا
يعكس شخصية محمد
صلى الله عليه
وسلم في
أفراحه، وأحزانه،
فلقد توفي عمه
أبو طالب
وزوجته خديجة
في عام واحد،
وحزن عليهما
حزنًا شديدًا
حتى سُمِّي
هذا العام
«عام الحزن»،
فهل يوجد في القرآن
أية إشارة لكل
هذا؟!
4-
من ناحية أن
القرآن في بعض
المواقف كان
يخالف رأي
رسول الله صلى
الله عليه
وسلم ، بل كان
يعاتبه ويلومه
على أفعاله،
كعتابه في
موقفه من
الرجل الأعمى
عبد الله بن
أم مكتوم؛ حيث
قال تعالى: ﴿عَبَسَ
وَتَوَلَّى¡
أَنْ جَاءَهُ
الْأَعْمَى﴾
(عبس)،
وكعتابه له في
مسألة أسرى
غزوة بدر؛ حيث
قال تعالى: ﴿مَا
كَانَ
لِنَبِيٍّ
أَنْ يَكُونَ
لَهُ أَسْرَى
حَتَّى
يُثْخِنَ فِي
الْأَرْضِ
تُرِيدُونَ
عَرَضَ
الدُّنْيَا
وَاللَّهُ
يُرِيدُ
الْآخِرَةَ
وَاللَّهُ
عَزِيزٌ
حَكِيمٌ ¡
لَوْلَا
كِتَابٌ مِنَ
اللَّهِ
سَبَقَ لَمَسَّكُمْ
فِيمَا
أَخَذْتُمْ
عَذَابٌ
عَظِيمٌ¡﴾
(الأنفال)
وكذا
عتاب الله جل
جلاله للنبي
صلى الله عليه
وسلم في مسألة
الإذن للمنافقين
الذين
تخلَّفوا عن
غزوة تبوك،
حيث قال: ﴿عَفَا
اللَّهُ
عَنْكَ لِمَ
أَذِنْتَ
لَهُمْ
حَتَّى
يَتَبَيَّنَ
لَكَ
الَّذِينَ
صَدَقُوا
وَتَعْلَمَ
الْكَاذِبِينَ¡﴾ (التوبة)،
فلو كان
القرآن
الكريم
نابعًا من ذاته
لما ظهر فيه
مثل ذلك
العتاب على
تلك التصرفات؛
لأن طبع البشر
أن يخفوا
أخطاءهم
وتقصيرهم ولا
يذكروها في
مؤلفاتهم،
وبهذا يظهر أن
القرآن الكريم
ليس من صنعه
وإنما هو خارج
عن ذاته صلى
الله عليه
وسلم (74).
5- ثم
لو كان القرآن
من عند النبي
محمد صلى الله
عليه وسلم لما
انتظر الوحي
عند تعرضه إلى
مشكلة
تشريعية،
فتبقَى القضية
معلَّقة حتى
يأتي الوحي
ليفصل في تلك القضية،
ومن الأمثلة
على ذلك،
حادثة الإفك، وقضية
المتخلفين عن
الجهاد،
والمجادلة
خولة
الخزرجية،
فلقد انتظر
الرسول صلى
الله عليه
وسلم الوحي في
تلك القضايا
الثلاث حتى
نزّل الله عز
وجل وَحيَه،
فقَضَى رسول
الله صلى الله
عليه وسلم في
القضايا.
وبهذا
يتضح أنه لم
يكن للنبي صلى
الله عليه وسلم
دخل في القرآن
وفي صوغه
وسبكه بهذا
الأسلوب،
وإلا لقضى في
تلك القضايا،
وغيرها من
التي انتظر
فيها الوحي
حتى قضى بما
أنزل الله
عليه(74).
6- من
ناحية أن
محمدًا صلى
الله عليه
وسلم بشرٌ لا
يستطيع أن
يتحدث عن
الربوبية
بجلالها،
وتوضيحًا
لهذا المعنى
يقول د. محمد
سعيد رمضان
البوطي: إن من
آيات القرآن،
آيات ذاتية،
أي يتكلم الله
عز وجل فيها
عن ذاته
آمرًا، أو
ناهيًا، أو
مخبرًا، فإذا
تأملت هذه
الآيات،
رأيتها تتسم
بجلال
الربوبية،
وصفات
الألوهية،
ولم تجد فيها
أي معنى من
المعاني
البشرية،
والصفات الإنسانية.
فاقرأ
إن شئت قول
الله تعالى: ﴿إِنَّا
نَحْنُ
نُحْيِ
الْمَوْتَى
وَنَكْتُبُ
مَا
قَدَّمُوا
وَآثَارَهُمْ
وَكُلَّ شَيْءٍ
أَحْصَيْنَاهُ
فِي إِمَامٍ
مُبِينٍ¡﴾ (يس)،
وقوله تعالى ﴿إِنَّنِي
أَنَا
اللَّهُ لَا
إِلَهَ
إِلَّا أَنَا
فَاعْبُدْنِي
وَأَقِمِ الصَّلَاةَ
لِذِكْرِي¡ إِنَّ
السَّاعَةَ
آتِيَةٌ
أَكَادُ
أُخْفِيهَا
لِتُجْزَى
كُلُّ نَفْسٍ
بِمَا تَسْعَى¡﴾ (طه).
إن
آيات مثل تلك
الآيات التي
ترد في القرآن
الكريم لا
يمكن أن يكون
قائلها من
البشر؛ لأنه مهما
تبجَّح أو
ترقَّى هذا
البشر، فإنه
لا يستطيع أن
يقول ما يقول الله
عز وجل عن
ذاته؛ لأنها
معلومات تفوق
قدرة البشر
على المعرفة،
ولا يمكن أن
يعلمها إلا الله،
ولا يقولها
إلا هو عز وجل.
وبهذا
يتبين أن
القرآن
منزَّل من عند
الله عز وجل
وليس من كلام
البشر، ولا
نتيجة تأثر
النبي صلى
الله عليه
وسلم
بالحنفاء.
الخلاصة:
* لم
يتأثر النبي
صلى الله عليه
وسلم
بالحنفاء،
ولا غيرهم –
كما يزعم
الزاعمون –
ولو تأثر بهم
لذكر ذلك
المشركون
عندما
اعترضوا على
نبوة النبي
صلى الله عليه
وسلم وكذّبوا
ما جاء به،
ولكن هذا لم
يحدث، وهذا
دليل نفي
تأثره بتعاليم
هؤلاء
الحنفاء.
* لقد
كان أمية بن
أبي الصلت
يحقد على
النبي صلى
الله عليه
وسلم أن
اصطفاه الله
للرسالة، إذ كان
يطمع فيها
وينتظرها،
وقد رفض
الدخول في الإسلام
وهو يعلم
حقيقة هذا
الأمر، حسدًا
وبغضًا منه
للنبي صلى
الله عليه
وسلم ، فكيف
يقتبس النبي
صلى الله عليه
وسلم دينه من
حاقد عليه؟!!
* لقد
أنزل الله جل
جلاله القرآن
على النبي صلى
الله عليه
وسلم وحيًا
باللفظ
والمعنى، وأما
السنة فكانت
وحيًا
بالمعنى دون
اللفظ، نقلاً
بالمشاهدة من
أفعال النبي
صلى الله عليه
وسلم وأقواله
وتقريراته
التي رآها
أصحابه الكرام
y ونقلوها إلينا
نقلاً صحيحًا
دون تغيير أو
تحريف.
* إن
الاختلاف
البين
والواضح بين
القرآن الكريم
والسنة
النبوية من
جهة وبين
التوراة والإنجيل
من جهة أخرى:
شكلاً
وموضوعًا
ونظمًا وحكمًا
– ليثبت عدم
تأثر النبي
صلى الله عليه
وسلم بهذه
الكتب،
والفَرْق
بينهما واضح
جليٌّ إذا
تصفحنا هذه
الكتب وقارنا
بينها مقارنة
منصفة.
* لقد
أجمعت
المصادر
التاريخية
على ثبوت أميَّة
النبي صلى
الله عليه
وسلم ، هذا
بالإضافة إلى
إعجاز القرآن
في كافة
الوجوه، كل لك
ينفي بشرية
القرآن
الكريم،
ويثبت كونه
إلهىَّ المصدر،
وذلك مصداقًا
لقول الله
تعالى: ﴿إِنَّا
أَنْزَلْنَا
إِلَيْكَ
الْكِتَابَ
بِالْحَقِّ
لِتَحْكُمَ
بَيْنَ
النَّاسِ بِمَا
أَرَاكَ
اللَّهُ﴾
(النساء:105)، لا
بما رأيت؛
فكيف لهذا
الأمي أن يأتي
بمثل هذا
القرآن
المعجز، وقد
عجز عنه أرباب
البلاغة
والفصاحة؟!
(للمزيد
انظر: موسوعة
بيان
الإسلام، نشر
نهضة مصر،
وموقع: بيان
الإسلام: الرد
على
الافتراءات والشبهات).
* * *
الهوامش:
(58) الأدلة
على صدق
النبوة
المحمدية ورد
الشبهات
عنها، هدى عبد
الكريم، دار
الفرقان،
الأردن،
1411هـ/1991م، ص479-480
بتصرف يسير.
(59) للمزيد
انظر: رد
شبهات حول
عصمة النبي ﷺ في ضوء
الكتاب
والسنة، د.
عماد السيد
الشربيني،
دار الصحيفة،
القاهرة، ط1،
1424هـ/2003م، ص 324-325.
(60) أخرجه
البخاري في
صحيحه، كتاب
الأنبياء، باب
ما ذكر عن بني
إسرائيل (3275)،
ومسلم في
صحيحه، كتاب
اللباس
والزينة، باب
في مخالفة
اليهود في الصبغ
(5632).
(61) الخفاف:
جمع خُف، وهو
ما يُلبس في الرِّجل
من جلد رقيق.
(62) صحيح:
أخرجه
أبوداؤد في
سننه، كتاب
الصلاة، باب
الصلاة في
النعل (652)، وابن
حبان في
صحيحه، كتاب
الصلاة، باب
فرض متابعة
الإمام (2168)،
وصححه الألباني
في صحيح
الجامع (3210).
(63) أخرجه
البخاري في
صحيحه، كتاب
الصوم، باب صيام
يوم عاشوراء
(1900)، ومسلم في
صحيحه، كتاب
الصيام، باب
صوم يوم عاشوراء
(2712).
(64) أخرجه
مسلم في
صحيحه، كتاب
الصيام، باب
أي يوم يصام
في عاشوراء (2722).
(65) أخرجه
البخاري في
صحيحه، كتاب
مناقب الأنصار،
باب المعراج
(3887)، ومسلم في
صحيحه، كتاب
الإيمان، باب
الإسراء
برسول الله
إلى السماوات
وفرض الصلوات
(429)، واللفظ له.
(66) أخرجه
مسلم في
صحيحه، كتاب
الجمعة، باب
هداية هذه
الأمة ليوم
الجمعة (2019).
(67) إسناده
حسن: أخرجه
أحمد في
مسنده، باقي
مسند الأنصار،
حديث أم سلمة
زوج النبي ﷺ (26793)،
والنسائي في
سننه الكبرى،
كتاب الصيام،
صيام يوم
الأحد (2776)،
والطبراني في
المعجم، كتاب
ذكر أزواج
الرسول ﷺ منهن أم
سلمة واسمها
هند بنت أبي
أمية بن حذيفة
بن المغيرة (964)،
وحسن إسناده
الأرنؤوط في
تعليقات مسند
أحمد (26793).
(68) رد
شبهات حول
عصمة النبي ﷺ في ضوء
الكتاب
والسنة، د.
عماد السيد
الشربيني،
مرجع سابق، ص
326، 329.
(69) مصدر
القرآن، د.
إبراهيم عوض،
مرجع سابق، ص 121.
(70) الأدلة
على صدق
النبوة
المحمدية،
هدى عبد الكريم
مرعي، مرجع
سابق، ص 480.
(71) الفكر
الاستشراقي:
تاريخه
وتقويمه، د.
محمد الدسوقي،
مرجع سابق، ص 97.
(72) محمد
والخناجر
المسمومة
الموجهة
إليه، د. نبيل
لوقا بباوي،
دار البباوي
للنشر، القاهرة،
2006م، ص 124.
(73) الأدلة
على صدق
النبوة
المحمدية،
هدى عبد الكريم
مرعي، مرجع
سابق، ص 495: 497
بتصرف يسير.
(74) قوانين
النبوة، موقف
الجوجو، دار
المكتبي، دمشق،
ط1، 1423هـ/2002م، ص 576
بتصرف.
* * *
مجلة
الداعي
الشهرية
الصادرة عن
دار العلوم
ديوبند ،
محرم - صفر 1436 هـ =
نوفمبر – ديسمبر
2014م ، العدد : 1-2 ،
السنة : 39